بسم الله الرحمن الرحيم ۩
إذا قال المسلم لأخيه المسلم؛ يا كافر، بغير تأويل فهل يكفر القائل أم لا؟
أجيبونا جزاكم الله خيراً؟
* * *
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد...
إطلاق الكفر على من ثبت له عقد الإسلام من غير حجة بينة أو تأويل معتبر؛ يعد خطراً عظيماً على قائله وإثماً جسيماً في حقه، وجرأة قبيحة في الدين، إذ هو من أشنع الأذية التي تلحق بالمؤمن، وقائلها محتمل للبهتان والوزر، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه) [رواه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم].
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال؛ يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه) [رواه البخاري ومسلم].
ومعنى قوله: "حار" بالحاء المهملة والراء، أي رجع، فليحتط المسلم لنفسه ويتورّع في ذلك أشد التورع، ولا يُخاطر بدينه ولا يُقدم على هذا الأمر إلا بعلم، وعدل، وورع، علم يبصره بالحق ويعرِّفه به، وعدل يُجنِّبه الظلم ويعصمه منه، وورع يكبح جماح نفسه ويقطع داعية هواه.
وأما حكم من قال لأخيه المسلم؛ "يا كافر"، وعن معنى رجوعها على قائلها إن لم يكن الأمر كما قال:
فقد اختلف العلماء في محمل ذلك على أقوال:
# الأول؛ أن الحديث محمول على المستحل لتكفير المسلم:
وعليه فإن المراد من قوله: (رجعت عليه)، وقوله: (حار عليه)، هو رجوع الكفر على القائل نفسه، بمعنى أنه يصير كافراً ما دام مستحلاً تكفيرَ أخيه المسلم، ولا ريب أن استحلال تكفير المسلم يعتبر كفراً ولكن يبعد أن يكون هذا هو وجه الحديث ومحمله.
وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله في ذكر أوجه الحديث: (أنه محمول على المستحل لذلك؛ وهذا يكفر، فعلى هذا معنى باء بها؛ أي بكلمة الكفر، وكذا حار عليه، وهو معنى رجعت عليه، أي رجع عليه الكفر، فباء وحار ورجع بمعنى واحد).
قال الحافظ ابن حجر معلقاً: (وهذا بعيد من سياق الخبر).
# الثاني؛ أن معصية استنقاصه لأخيه المسلم ووصفه له بالكفر قد استحقها هو - أي القائل - ما دام أخوه ليس كما ادعى فيه:
فيقرب هذا المعنى من قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 112].
قال الإمام النووي: (معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره).
ونقل ابن حجر عن القرطبي قوله: (والحاصل؛ أن المقول له إن كان كافراً كفرا شرعياً فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه).
ولحوق الإثم لمن رمى أخاه المسلم بالكفر من غير تأويل أمرٌ مُسلَّمٌ، وبعض الأحاديث ذات الصلة بالموضوع يُفهم منها شيء.
من ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله) [رواه الشيخان] - وسيأتي -
فهذا إن لم يكن عين المراد فهو بعضه بلا شك، فلو لم يوجد فيه سوى أذية المؤمن لأخيه ونبزه له بأبشع الألقاب وأبغضها إلى الله تعالى لكفى، كما قال سبحانه: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
قال في "الجلالين": ({وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، لا يدعُ بعضكم بعضاً بلقب يكرهه، ومنه يا فاسق، ويا كافر)
# الثالث؛ أن ذلك محمول على الخوارج الذين يكفرون أهل القبلة بالكبائر:
وهذا أقرب إلى أن يكون على مذهب من اختار تكفير الخوارج، فيصبح الحديث مختصاً بهم ومقصوراً عليهم لظهور هذه الصفة فيهم ولصوقها بهم، إلا أن في هذا تخصيصاً لحديث بغير مخصص ظاهر، لا سيما وأن ظاهره العموم، وتنوع ألفاظه التي جاء بها يُستبعد معه هذا الحمل، والكلام ليس على كون الخواج يدخلون في عموم الحديث أم لا، وإنما على اختصاصهم به وأن يكونوا هم المقصودين فحسب.
قال الإمام الزرقاني: (قال أشهب: سئل مالك عن هذا الحديث؟ فقال: أرى ذلك في الحرورية، قيل: أتراهم بذلك كفاراً؟ قال: ما أدري ما هذا).
وقال الإمام النووي: (والثالث؛ أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا الوجه نقله القاضي عياض رحمه الله عن الإمام مالك بن أنس وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون؛ أن الخوارج لا يَكفُرون كسائر أهل البدع).
وقد جعل الحافظ ابن حجر لما قاله الإمام مالك وجهاً، إلا أنه بعيد عن معنى الحديث، فليُراجع في "الفتح".
# الرابع؛ أن تكفيره لأخيه المسلم سيجره إلى الكفر ويقوده إليه، فإن لم يكفر في الحال فقد يكفر في المآل:
فكأنه بذلك صار مستحقاً لأن يُستدرج إلى الكفر ويصير إليه عاجلاً أم آجلاً فالمعصية تقود إلى المعصية، لا سيما مع الإصرار والجرأة عليها والتهاون بها.
قال الإمام النووي أيضاً: (والوجه الرابع؛ معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي - كما قالوا - بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر، ويؤيد هذا الوجه ما جاء في رواية لأبي عوانة الاسفرايني في كتابه "المخرج على صحيح مسلم"، فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر.، وفي رواية؛ إذا قال لأخيه؛ يا كافر، وجب الكفر على أحدهما).
وقال أبو عمرو الشهرزوري: (يتجه فيه معنى آخر مطرد في سائر الأحاديث القاضية بالكفر فيما ليس في نفسه كفراً، وهو أن ذلك يؤول به إلى الكفر إذا لم يتب توبة ماحية لجرمه ذلك! إذ المعصية إذا فحشت جرت بشؤمها إلى الكفر، ولذلك شواهد، ووصف الشيء بما يؤول إليه سائغ شائع، من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}، والله أعلم) [صيانة صحيح مسلم: 235].
# الخامس؛ أن تكفيره لأخيه المسلم قد رجع عليه:
فالراجع عليه هو التكفير لا الكفر، فكأنه حينما وصف أخاه المسلم المعتقد لدين الإسلام بالكفر كان في الحقيقة واصفاً نفسه بذلك لأن دينهما واحد، فكأن قائلا يقول له؛ إن تكفيرك لأخيك المسلم بهذا الوجه هو تكفير لنفسك، فأنت أيضاً مثله في ذلك، وما استحقه هو استحققته أنت سواء بسواء، إذ أن دينكما واحد وكلاكما متصف بالأسلام ولا فرق.
قال الإمام النووي: (والوجه الخامس؛ معناه فقد رجع عليه تكفيره فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافراً، فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، والله أعلم).
وقال أبو عمرو الشهرزوري: (فأقول - والله أعلم -؛ إن لم يكن يتحقق كافراً كما قال رجع عليه تكفيره فليس الراجع إليه هو الكفر بل التكفير، وذلك لأن أخاه إذا كان مؤمناً وقد جعله هو كافراً، مع أن المؤمن ليس بكافر إلا عند من هو كافر... فقد لزم من ذلك كونه مكفراً لنفسه ضرورة، لتكفيره من لا يكفره إلا كافر، ويكون الضمير في قوله؛ "فقد باء بها"، بوصمة التكفير ومعرته، أي أنها لاصقة بأولاهما بها، وهو المقول له إن كان كما قيل وإلا فالقائل) [صيانة صحيح مسلم: 234].
# السادس؛ أن الأمر على ظاهره، وأن كل من كفَّر مسلماً ولم يكن المكفَّر كذلك، وليس له في تكفيره تأويل أو شبهة، فهو كافرٌ:
وهذا ما يُفهم من إطلاق تبويب البخاري على الحديث المذكور، حيث قال: (باب؛ من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال).
قال ابن حجر: (قوله: باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال؛ كذا قيد مطلق الخبر بما إذا صدر ذلك بغير تأويل من قائله).
ولهذا أردف البخاري هذا الباب بقوله في الذي يليه: (باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلا).
قال الإمام الزرقاني: (لأنه إن كان القائل صادقاً في نفس الأمر فالمرميّ كافر، وإن كان كاذباً فقد جعل الرامي الإيمان كفراً فقد كفر، كذا حمله البخاري على تحقيق الكفر على أحدهما).
ونظيره قول ابن حبان رحمه الله: (ذكر البيانِ؛ بأنَّ مَن أكفرَ إنساناً فهو كافِرٌ لا محالة).
ثم ساق الحديث بسنده عن أبي سعيد، قال: قال رسولُ اللَّه: (مَا أكْفَرَ رَجُلٌ رَجلًا قَطُّ إلَّا باءَ أَحَدُهُما بها، إنْ كانَ كافِراً وَإلَّا كَفَرَ بِتَكْفِيرِهِ).
وكذا نُقل عن المتولي من الشافعية.
وقال أبو بكر الحصني الشافعي: (ولو قال لمسلم؛ يا كافر بلا تأويل كَفَر، لأنه سمى الإسلام كُفْراً، وهذا اللفظ كثير يصدر من التُرك فليتفطن لذلك) [كفاية الأخيار: 2/123].
وقد ركّب ابن حجر هذا القول مع الذي قبله وجعلهما قولاً واحداً ورجحه على الجميع فقال: (وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه؛ أنه كافر، فإنه يكفر بذلك... فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه؛ "وجب الكفر على أحدهما").
# السابع؛ إنما سيقت الأحاديث الدالة على كفر من كفر مسلماً بغير تأويل:
لأجل التغليظ في ذلك والتشديد في استحقاقه العقوبة البالغة، وللنهي البليغ عن الإقدام عليه، وليس المقصود أنه صار بذلك كافراً كفراً مخرجاً من الملة، إلا أن ما جاء به يعد من أغلظ الذنوب وأشنعها وأبشعها.
والذي يظهر - والله أعلم - أن هذا هو القول الراجح، وذلك لما يأتي:
أولها؛ عن أبي قلابة رضي الله عنه أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله، ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) [رواه البخاري ومسلم].
والشاهد من الحديث؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل رمي المؤمن بالكفر بمنزلة قتله، وهذا يدل على أن قتله أشد من رميه بالكفر، إذ ظاهر الحديث إنما قُصد بهذا التشبيه استشعار عظمة تكفير المؤمن وإكبارها في النفوس، كما هو الحال بالنسبة لقتله حيث يعظُم أمره في قلب كل مؤمن، ولو كان الكفر على ظاهره لكان أشنع وأبشع وأغلظ من القتل، ولكان تشبيه القتل به أولى من العكس، قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]، وقال عز وجل: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217)].
فتشبيه تكفير المسلم بقتله تضمن أمرين؛
أحدهما؛ عظم هذا الذنب عند الله تعالى.
وثانيهما؛ شدة العقوبة المترتبة على ذلك لمن لم يتب منه توبة نصوحاً، فقد قال الله تعالى في حق من قتل مؤمناً متعمداً بغير حق: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93].
زد على ذلك أن ما عُدِّد في الحديث مع تكفير المسلم ليس شيء منها يعتبر كفراً مخرجاً من الملة، لا سيما وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نظير تكفير المؤمن وهو لعنه وهذا ليس بالكفر المخرج من الملة اتفاقاً.
ومثل ذلك ما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله) [رواه البزار، ورواته ثقات].
قال المناوي رحمه الله: (ومن قذف مؤمناً بكفر كأن قال: يا كافر فهو كقتله، أي القذف كقتله في الحرمة، أو في التألم، ووجه الشبه أن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل، فإن المنتسب إلى الشيء كفاعله) [فيض القدير: 5/371].
ثانيها؛
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على أن قتال المسلم يعتبر كفراً ووصفه بذلك، وقد تضافرت الأدلة على أن قتال المسلم للمسلم لا يعتبر كفراً مخرجاً من الملة، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
ونظير الحديث المذكور أيضاً حديث الصحيحين عنِ ابن عمرَ رضيَ الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (وَيلكم - أو وَيحَكم - لا تَرجِعوا بعدي كفّاراً يَضربُ بعضكم رِقابَ بعض).
وهذا يدل على أن إطلاق لفظ الكفر في اصطلاح الشارع قد لا يراد به ظاهره المعروف، وخاصة عند وجود القرينة البينة الصارفة عن ذلك، كما هو الحال هنا وفي الذي قبله.
وفي ترجيح هذا الوجه يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله: (والمعنى فيه عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع فورد النهي عن تكفير المسلم... ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ، وليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم، لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد) [التمهيد: 17/14 - 15].
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه السلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"... وقوله: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما").
ثم ساق أحاديث عدة وقال: (وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد وهو أصوب القولين والله أعلم) [المغني: 2/158].
فالخلاصة...
أن قول المسلم لأخيه المسلم؛ يا كافر أو يا عدو الله، يعد أمراً عظيماً في الشريعة لا يجوز الإقدام عليه، ومن قال ذلك بغير تأويل معتبر؛ يكون آثماً إثماً كبيراً يلزمه منه التوبة والإنابة والاستغفار، إلا أنه لا يكون كافراً كفراً مخرجاً من الملة.
والله تعالى أعلم
قال تعالى: ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )
إذا قال المسلم لأخيه المسلم؛ يا كافر، بغير تأويل فهل يكفر القائل أم لا؟
أجيبونا جزاكم الله خيراً؟
* * *
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد...
إطلاق الكفر على من ثبت له عقد الإسلام من غير حجة بينة أو تأويل معتبر؛ يعد خطراً عظيماً على قائله وإثماً جسيماً في حقه، وجرأة قبيحة في الدين، إذ هو من أشنع الأذية التي تلحق بالمؤمن، وقائلها محتمل للبهتان والوزر، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب: 58].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه) [رواه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم].
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال؛ يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه) [رواه البخاري ومسلم].
ومعنى قوله: "حار" بالحاء المهملة والراء، أي رجع، فليحتط المسلم لنفسه ويتورّع في ذلك أشد التورع، ولا يُخاطر بدينه ولا يُقدم على هذا الأمر إلا بعلم، وعدل، وورع، علم يبصره بالحق ويعرِّفه به، وعدل يُجنِّبه الظلم ويعصمه منه، وورع يكبح جماح نفسه ويقطع داعية هواه.
وأما حكم من قال لأخيه المسلم؛ "يا كافر"، وعن معنى رجوعها على قائلها إن لم يكن الأمر كما قال:
فقد اختلف العلماء في محمل ذلك على أقوال:
# الأول؛ أن الحديث محمول على المستحل لتكفير المسلم:
وعليه فإن المراد من قوله: (رجعت عليه)، وقوله: (حار عليه)، هو رجوع الكفر على القائل نفسه، بمعنى أنه يصير كافراً ما دام مستحلاً تكفيرَ أخيه المسلم، ولا ريب أن استحلال تكفير المسلم يعتبر كفراً ولكن يبعد أن يكون هذا هو وجه الحديث ومحمله.
وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله في ذكر أوجه الحديث: (أنه محمول على المستحل لذلك؛ وهذا يكفر، فعلى هذا معنى باء بها؛ أي بكلمة الكفر، وكذا حار عليه، وهو معنى رجعت عليه، أي رجع عليه الكفر، فباء وحار ورجع بمعنى واحد).
قال الحافظ ابن حجر معلقاً: (وهذا بعيد من سياق الخبر).
# الثاني؛ أن معصية استنقاصه لأخيه المسلم ووصفه له بالكفر قد استحقها هو - أي القائل - ما دام أخوه ليس كما ادعى فيه:
فيقرب هذا المعنى من قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 112].
قال الإمام النووي: (معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره).
ونقل ابن حجر عن القرطبي قوله: (والحاصل؛ أن المقول له إن كان كافراً كفرا شرعياً فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه).
ولحوق الإثم لمن رمى أخاه المسلم بالكفر من غير تأويل أمرٌ مُسلَّمٌ، وبعض الأحاديث ذات الصلة بالموضوع يُفهم منها شيء.
من ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله) [رواه الشيخان] - وسيأتي -
فهذا إن لم يكن عين المراد فهو بعضه بلا شك، فلو لم يوجد فيه سوى أذية المؤمن لأخيه ونبزه له بأبشع الألقاب وأبغضها إلى الله تعالى لكفى، كما قال سبحانه: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
قال في "الجلالين": ({وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، لا يدعُ بعضكم بعضاً بلقب يكرهه، ومنه يا فاسق، ويا كافر)
# الثالث؛ أن ذلك محمول على الخوارج الذين يكفرون أهل القبلة بالكبائر:
وهذا أقرب إلى أن يكون على مذهب من اختار تكفير الخوارج، فيصبح الحديث مختصاً بهم ومقصوراً عليهم لظهور هذه الصفة فيهم ولصوقها بهم، إلا أن في هذا تخصيصاً لحديث بغير مخصص ظاهر، لا سيما وأن ظاهره العموم، وتنوع ألفاظه التي جاء بها يُستبعد معه هذا الحمل، والكلام ليس على كون الخواج يدخلون في عموم الحديث أم لا، وإنما على اختصاصهم به وأن يكونوا هم المقصودين فحسب.
قال الإمام الزرقاني: (قال أشهب: سئل مالك عن هذا الحديث؟ فقال: أرى ذلك في الحرورية، قيل: أتراهم بذلك كفاراً؟ قال: ما أدري ما هذا).
وقال الإمام النووي: (والثالث؛ أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا الوجه نقله القاضي عياض رحمه الله عن الإمام مالك بن أنس وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون؛ أن الخوارج لا يَكفُرون كسائر أهل البدع).
وقد جعل الحافظ ابن حجر لما قاله الإمام مالك وجهاً، إلا أنه بعيد عن معنى الحديث، فليُراجع في "الفتح".
# الرابع؛ أن تكفيره لأخيه المسلم سيجره إلى الكفر ويقوده إليه، فإن لم يكفر في الحال فقد يكفر في المآل:
فكأنه بذلك صار مستحقاً لأن يُستدرج إلى الكفر ويصير إليه عاجلاً أم آجلاً فالمعصية تقود إلى المعصية، لا سيما مع الإصرار والجرأة عليها والتهاون بها.
قال الإمام النووي أيضاً: (والوجه الرابع؛ معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي - كما قالوا - بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر، ويؤيد هذا الوجه ما جاء في رواية لأبي عوانة الاسفرايني في كتابه "المخرج على صحيح مسلم"، فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر.، وفي رواية؛ إذا قال لأخيه؛ يا كافر، وجب الكفر على أحدهما).
وقال أبو عمرو الشهرزوري: (يتجه فيه معنى آخر مطرد في سائر الأحاديث القاضية بالكفر فيما ليس في نفسه كفراً، وهو أن ذلك يؤول به إلى الكفر إذا لم يتب توبة ماحية لجرمه ذلك! إذ المعصية إذا فحشت جرت بشؤمها إلى الكفر، ولذلك شواهد، ووصف الشيء بما يؤول إليه سائغ شائع، من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}، والله أعلم) [صيانة صحيح مسلم: 235].
# الخامس؛ أن تكفيره لأخيه المسلم قد رجع عليه:
فالراجع عليه هو التكفير لا الكفر، فكأنه حينما وصف أخاه المسلم المعتقد لدين الإسلام بالكفر كان في الحقيقة واصفاً نفسه بذلك لأن دينهما واحد، فكأن قائلا يقول له؛ إن تكفيرك لأخيك المسلم بهذا الوجه هو تكفير لنفسك، فأنت أيضاً مثله في ذلك، وما استحقه هو استحققته أنت سواء بسواء، إذ أن دينكما واحد وكلاكما متصف بالأسلام ولا فرق.
قال الإمام النووي: (والوجه الخامس؛ معناه فقد رجع عليه تكفيره فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافراً، فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، والله أعلم).
وقال أبو عمرو الشهرزوري: (فأقول - والله أعلم -؛ إن لم يكن يتحقق كافراً كما قال رجع عليه تكفيره فليس الراجع إليه هو الكفر بل التكفير، وذلك لأن أخاه إذا كان مؤمناً وقد جعله هو كافراً، مع أن المؤمن ليس بكافر إلا عند من هو كافر... فقد لزم من ذلك كونه مكفراً لنفسه ضرورة، لتكفيره من لا يكفره إلا كافر، ويكون الضمير في قوله؛ "فقد باء بها"، بوصمة التكفير ومعرته، أي أنها لاصقة بأولاهما بها، وهو المقول له إن كان كما قيل وإلا فالقائل) [صيانة صحيح مسلم: 234].
# السادس؛ أن الأمر على ظاهره، وأن كل من كفَّر مسلماً ولم يكن المكفَّر كذلك، وليس له في تكفيره تأويل أو شبهة، فهو كافرٌ:
وهذا ما يُفهم من إطلاق تبويب البخاري على الحديث المذكور، حيث قال: (باب؛ من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال).
قال ابن حجر: (قوله: باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال؛ كذا قيد مطلق الخبر بما إذا صدر ذلك بغير تأويل من قائله).
ولهذا أردف البخاري هذا الباب بقوله في الذي يليه: (باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلا).
قال الإمام الزرقاني: (لأنه إن كان القائل صادقاً في نفس الأمر فالمرميّ كافر، وإن كان كاذباً فقد جعل الرامي الإيمان كفراً فقد كفر، كذا حمله البخاري على تحقيق الكفر على أحدهما).
ونظيره قول ابن حبان رحمه الله: (ذكر البيانِ؛ بأنَّ مَن أكفرَ إنساناً فهو كافِرٌ لا محالة).
ثم ساق الحديث بسنده عن أبي سعيد، قال: قال رسولُ اللَّه: (مَا أكْفَرَ رَجُلٌ رَجلًا قَطُّ إلَّا باءَ أَحَدُهُما بها، إنْ كانَ كافِراً وَإلَّا كَفَرَ بِتَكْفِيرِهِ).
وكذا نُقل عن المتولي من الشافعية.
وقال أبو بكر الحصني الشافعي: (ولو قال لمسلم؛ يا كافر بلا تأويل كَفَر، لأنه سمى الإسلام كُفْراً، وهذا اللفظ كثير يصدر من التُرك فليتفطن لذلك) [كفاية الأخيار: 2/123].
وقد ركّب ابن حجر هذا القول مع الذي قبله وجعلهما قولاً واحداً ورجحه على الجميع فقال: (وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه؛ أنه كافر، فإنه يكفر بذلك... فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه؛ "وجب الكفر على أحدهما").
# السابع؛ إنما سيقت الأحاديث الدالة على كفر من كفر مسلماً بغير تأويل:
لأجل التغليظ في ذلك والتشديد في استحقاقه العقوبة البالغة، وللنهي البليغ عن الإقدام عليه، وليس المقصود أنه صار بذلك كافراً كفراً مخرجاً من الملة، إلا أن ما جاء به يعد من أغلظ الذنوب وأشنعها وأبشعها.
والذي يظهر - والله أعلم - أن هذا هو القول الراجح، وذلك لما يأتي:
أولها؛ عن أبي قلابة رضي الله عنه أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله، ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) [رواه البخاري ومسلم].
والشاهد من الحديث؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل رمي المؤمن بالكفر بمنزلة قتله، وهذا يدل على أن قتله أشد من رميه بالكفر، إذ ظاهر الحديث إنما قُصد بهذا التشبيه استشعار عظمة تكفير المؤمن وإكبارها في النفوس، كما هو الحال بالنسبة لقتله حيث يعظُم أمره في قلب كل مؤمن، ولو كان الكفر على ظاهره لكان أشنع وأبشع وأغلظ من القتل، ولكان تشبيه القتل به أولى من العكس، قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]، وقال عز وجل: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217)].
فتشبيه تكفير المسلم بقتله تضمن أمرين؛
أحدهما؛ عظم هذا الذنب عند الله تعالى.
وثانيهما؛ شدة العقوبة المترتبة على ذلك لمن لم يتب منه توبة نصوحاً، فقد قال الله تعالى في حق من قتل مؤمناً متعمداً بغير حق: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93].
زد على ذلك أن ما عُدِّد في الحديث مع تكفير المسلم ليس شيء منها يعتبر كفراً مخرجاً من الملة، لا سيما وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نظير تكفير المؤمن وهو لعنه وهذا ليس بالكفر المخرج من الملة اتفاقاً.
ومثل ذلك ما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله) [رواه البزار، ورواته ثقات].
قال المناوي رحمه الله: (ومن قذف مؤمناً بكفر كأن قال: يا كافر فهو كقتله، أي القذف كقتله في الحرمة، أو في التألم، ووجه الشبه أن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل، فإن المنتسب إلى الشيء كفاعله) [فيض القدير: 5/371].
ثانيها؛
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
فقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على أن قتال المسلم يعتبر كفراً ووصفه بذلك، وقد تضافرت الأدلة على أن قتال المسلم للمسلم لا يعتبر كفراً مخرجاً من الملة، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
ونظير الحديث المذكور أيضاً حديث الصحيحين عنِ ابن عمرَ رضيَ الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (وَيلكم - أو وَيحَكم - لا تَرجِعوا بعدي كفّاراً يَضربُ بعضكم رِقابَ بعض).
وهذا يدل على أن إطلاق لفظ الكفر في اصطلاح الشارع قد لا يراد به ظاهره المعروف، وخاصة عند وجود القرينة البينة الصارفة عن ذلك، كما هو الحال هنا وفي الذي قبله.
وفي ترجيح هذا الوجه يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله: (والمعنى فيه عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع فورد النهي عن تكفير المسلم... ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ، وليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم، لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد) [التمهيد: 17/14 - 15].
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه السلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"... وقوله: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما").
ثم ساق أحاديث عدة وقال: (وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد وهو أصوب القولين والله أعلم) [المغني: 2/158].
فالخلاصة...
أن قول المسلم لأخيه المسلم؛ يا كافر أو يا عدو الله، يعد أمراً عظيماً في الشريعة لا يجوز الإقدام عليه، ومن قال ذلك بغير تأويل معتبر؛ يكون آثماً إثماً كبيراً يلزمه منه التوبة والإنابة والاستغفار، إلا أنه لا يكون كافراً كفراً مخرجاً من الملة.
والله تعالى أعلم
قال تعالى: ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )
Wed Feb 10, 2016 7:30 am by Hossam Masri
» الشيخ الشعراوى(كيف يحبك الله)
Mon Feb 01, 2016 8:26 am by Hossam Masri
» الشيخ الشعراوى.اذا اردت ان يستجيب الله دعاءك
Mon Feb 01, 2016 8:20 am by Hossam Masri
» للطمأنينة وهدوء النفس والسعادة .. الشيخ الشعراوي.
Mon Feb 01, 2016 8:16 am by Hossam Masri
» الفيس بوك (( الإسلام بكل لغات العالم )) Islam in all languages of the world
Sat May 09, 2015 11:09 am by Hossam Masri
» حدث جلل : ترتيب علامات الساعه الكبرى
Thu Feb 19, 2015 7:44 pm by Hossam Masri
» 6 علامات تؤكد حب الله لك
Wed Feb 18, 2015 4:54 am by Hossam Masri
» تفسير سورة يوسف للشيخ محمد متولي الشعراوي ١من٢
Tue Feb 10, 2015 12:06 pm by Hossam Masri
» تفسيرسورة الذاريات كاملة للشيخ محمد متولي الشعراوي
Tue Feb 10, 2015 12:04 pm by Hossam Masri
» تفسيرسورة الرحمن كاملة للشيخ محمد متولي الشعراوي
Tue Feb 10, 2015 12:02 pm by Hossam Masri
» تفسيرسورة الواقعة كاملة للشيخ محمد متولي الشعراوي
Tue Feb 10, 2015 11:58 am by Hossam Masri
» الموعظة الحسنة مبروك عطية
Sat Jan 31, 2015 9:11 am by Hossam Masri
» أتحداك اذا لم تدمع عيناك . قصة وفاة الرسول
Wed Jan 28, 2015 9:34 am by Hossam Masri
» فيلم وثائقي يشرح حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
Wed Jan 28, 2015 8:54 am by Hossam Masri
» بالفيديو.. اللاعب الألمانى دانى بلوم يعتنق الإسلام
Tue Jan 27, 2015 1:53 am by Hossam Masri
» د.عُمر عبد الكافي - محاضرة - وجاء الاسلام
Sun Jan 25, 2015 6:06 pm by Hossam Masri
» الآباء والمراهقون .. تجارب عملية
Sun Jan 25, 2015 10:22 am by Hossam Masri
» مشكلات المراهقة وعلاجها
Sun Jan 25, 2015 10:19 am by Hossam Masri
» المراهقة: خصائص المرحلة ومشكلاتها
Sun Jan 25, 2015 10:17 am by Hossam Masri
» كيف تعاملين ابنتك المراهقة..
Sun Jan 25, 2015 10:13 am by Hossam Masri
» الاسلام والاعاقة العقلية
Sun Jan 25, 2015 10:06 am by Hossam Masri
» الخمر والمخدرات افة المجتمع
Sun Jan 25, 2015 10:01 am by Hossam Masri
» الدمج والتاهيل المهنى لذوى الاعاقة
Sun Jan 25, 2015 9:59 am by Hossam Masri
» غريزة الشهوة والمراهقة وطرق التربية الجنسية الصحيحة
Sun Jan 25, 2015 9:54 am by Hossam Masri
» MoreThan 69 Miracles of ISLAM, that none can Deny .
Mon Jan 19, 2015 9:17 pm by Hossam Masri
» معجزة الشفاء
Mon Jan 19, 2015 8:10 pm by Hossam Masri
» وعد النبي محمد (ص) للمسيحيين
Mon Jan 19, 2015 8:02 pm by Hossam Masri
» الخمر واللذة.. ونفس الداعية
Mon Jan 19, 2015 7:57 pm by Hossam Masri
» نزاهة العمل الخيرى
Mon Jan 19, 2015 7:53 pm by Hossam Masri
» نصيحة محب
Mon Jan 19, 2015 7:49 pm by Hossam Masri
» همسة فى أُذن الشباب
Mon Jan 19, 2015 7:46 pm by Hossam Masri
» الإنسانية قبل التدين الحبيب على الجفرى
Mon Jan 19, 2015 7:43 pm by Hossam Masri
» الأسئلة العشرة.. إلى فلاسفتنا ومثقفينا
Mon Jan 19, 2015 7:40 pm by Hossam Masri
» يا شيخ.. أختلف مع حضرتك
Mon Jan 19, 2015 12:49 pm by Hossam Masri
» أوقفوا الكراهية
Mon Jan 19, 2015 12:46 pm by Hossam Masri
» الفرق بين المسلم والإسلامى
Mon Jan 19, 2015 12:40 pm by Hossam Masri
» اللحية والجلباب
Mon Jan 19, 2015 12:36 pm by Hossam Masri
» كن صادقاً-----
Mon Jan 19, 2015 12:30 pm by Hossam Masri
» فقط للعقلاء
Mon Jan 19, 2015 12:25 pm by Hossam Masri
» كلمة التوحيد وإسلام الأمم السابقة
Mon Jan 19, 2015 11:30 am by Hossam Masri
» الحلقة الثالثة : قصص الانسان فى القران "اصحاب الاخدود"
Mon Jan 19, 2015 10:09 am by Hossam Masri
» "الحلقة الثانية: قصص الانسان فى القران "اصحاب الاخدود
Mon Jan 19, 2015 10:07 am by Hossam Masri
» قصص الانسان فى القران قصة اصحاب الاخدود
Mon Jan 19, 2015 10:05 am by Hossam Masri
» Did Islam spread by the sword?
Sun Jan 18, 2015 1:23 am by Hossam Masri
» الدليل المصور الموجز لفهم الإسلام
Sun Jan 18, 2015 1:18 am by Hossam Masri
» Salat - Prayer? Or What? How? When?
Sun Jan 18, 2015 1:12 am by Hossam Masri
» الآن! عرف اصدقاءك بالاسلام هذه الصفحة مخصصة لمساعدة أصدقائكم من غير المسلمين عن طريقكم بدعوتهم إلى التعرف على الإسلام بأحد السُبل والخيارات التالية:
Sun Jan 18, 2015 1:05 am by Hossam Masri
» Ceux qui ont cru et n’ont point entaché leur foi de quelque polythéisme
Sun Jan 18, 2015 1:01 am by Hossam Masri
» Guide du converti musulman: Ta foi (Allah, Anges, Livres, Prophètes, Jour dernier et destin)
Sun Jan 18, 2015 12:59 am by Hossam Masri
» የ ነብያቺን ሳላላሁ አለይህ ዋሳላም ስራ (ህይወት ታሪክ)ክፍል አስራ ሁለት
Sun Jan 18, 2015 12:47 am by Hossam Masri
» የ ነብያቺን ሳላላሁ አለይህ ዋሳላም ስራ (ህይወት ታሪክ)ክፍል አስራ ሰባት
Sun Jan 18, 2015 12:44 am by Hossam Masri
» Seerah 4- Characteristics of thé Prophet (Peace Be Upon Him)
Sun Jan 18, 2015 12:40 am by Hossam Masri
» Seerah 3 - Characteristics of the Prophet (Peace Be Upon Him)
Sun Jan 18, 2015 12:36 am by Hossam Masri
» Seerah 2 - Characteristics of the Prophet (Peace Be Upon Him)
Sun Jan 18, 2015 12:31 am by Hossam Masri
» Seerah 1 - Characteristics of the Prophet (Peace Be Upon Him)
Sat Jan 17, 2015 11:57 pm by Hossam Masri
» أقوال المشاهير في محمد بن عبد الله prophet mohammed
Fri Jan 16, 2015 3:33 pm by Hossam Masri
» كيف أنصف الغرب الإسلام والرسول الكريم.. علماء غربيون ومستشرقون شهدوا بعظمة النبى محمد وسماحته.. الأمريكى مايكل هارت اختاره على رأس قائمة أهم 100 شخصية مؤثرة فى التاريخ.. و"لامارتين": عبقريته لا تقارن
Fri Jan 16, 2015 3:30 pm by Hossam Masri
» غضب عارم بالعالم الإسلامى من رسومات "شارلى إبدو" المسيئة للرسول.. تؤجج مشاعر الكراهية وتتحدى مشاعر المسلمين..
Fri Jan 16, 2015 3:19 pm by Hossam Masri
» Does God know future?
Mon Jan 12, 2015 4:40 am by Hossam Masri
» Knowing Allah through His creations
Mon Jan 12, 2015 4:37 am by Hossam Masri
» Belief (Iman) in Allah Almighty
Mon Jan 12, 2015 4:22 am by Hossam Masri
» الإيمان بالله تعالى
Mon Jan 12, 2015 4:20 am by Hossam Masri
» La foi en Dieu
Mon Jan 12, 2015 4:19 am by Hossam Masri
» Qui est Allah؟
Mon Jan 12, 2015 4:17 am by Hossam Masri
» バイブルによるイエス神格性の否定(7/7):神とイエスは二つの異なる存在である
Mon Jan 12, 2015 4:15 am by Hossam Masri
» لماذا خلق الله الشيطان؟ للشيخ الشعراوى
Mon Jan 12, 2015 4:12 am by Hossam Masri
» كيف تكون مستجاب الدعاء...... الشعراوى.
Mon Jan 12, 2015 4:00 am by Hossam Masri
» علاج القلق والخوف ووسوسة الشيطان..للشيخ الشعراوى
Mon Jan 12, 2015 3:59 am by Hossam Masri
» وصفة الشيخ الشعراوي للتغلب على الشهوات
Mon Jan 12, 2015 3:58 am by Hossam Masri
» هكذا كان محمد الأب.. والسيد العابد هكذا كان محمد الأب.. والسيد العابد
Sun Jan 11, 2015 12:43 pm by Hossam Masri
» حقيقة ليلة القدر التي أخفتها وكالة ناسا منذ 10سنوات حتى لايسلم العالم!
Sun Jan 11, 2015 12:13 pm by Hossam Masri
» Dr. Brown amazing Story - أعجوبة جعلت أشهر طبيب بأمريكا يتحول من الإلحاد إلى الإسلام
Sat Jan 10, 2015 8:10 am by Hossam Masri
» هذا هو الإسلام الحقيقي | The Real Islam
Sat Jan 10, 2015 8:07 am by Hossam Masri
» \\\\\\\\\\\\ محمد رسول الله صل الله عليه وسلم) Muhammad is the messenger of Allah peace be upon him)
Tue Jan 06, 2015 4:10 am by Hossam Masri
» طالبة أمريكية مسلمة جعلت قسيسا يتخبط من سؤال واحد-A question by a student made a priest mumble
Tue Jan 06, 2015 2:43 am by Hossam Masri
» على طريق الله الشيطان - مصطفى حسني
Sun Jan 04, 2015 2:38 am by Hossam Masri
» فيديو هيغير حياتك لو شوفته بجد
Sun Jan 04, 2015 2:32 am by Hossam Masri
» معجزة الشفاء
Sun Jan 04, 2015 1:53 am by Hossam Masri
» أهل الجنة - الحلقة - المتفائل - مصطفى حسني
Sun Jan 04, 2015 1:45 am by Hossam Masri
» Fragen und Antworten zum Islam
Sun Jan 04, 2015 1:42 am by Hossam Masri
» Fragen und Antworten zum Islam
Sun Jan 04, 2015 1:42 am by Hossam Masri
» Fragen und Antworten zum Islam
Sun Jan 04, 2015 1:42 am by Hossam Masri
» كيف تكون عبدا صالحا - صالح المغامسي
Fri Jan 02, 2015 7:06 pm by Hossam Masri
» كنوز حسن الظن بالله - صالح المغامسي
Fri Jan 02, 2015 7:04 pm by Hossam Masri
» الكنز المفقود حسن الظن بالله
Fri Jan 02, 2015 7:03 pm by Hossam Masri
» من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
Fri Jan 02, 2015 7:01 pm by Hossam Masri
» أهل الجنة الراضي - مصطفى حسني
Fri Jan 02, 2015 6:58 pm by Hossam Masri
» على طريق الله - - الأمل في الله - مصطفى حسني
Fri Jan 02, 2015 6:56 pm by Hossam Masri
» أحبك ربي - - الصلاة - مصطفى حسني
Fri Jan 02, 2015 6:55 pm by Hossam Masri
» للطلاب عن الامتحانات والمذاكرة
Fri Jan 02, 2015 6:54 pm by Hossam Masri